إحتفلت جمهورية الصين الشعبية في الثالث من سبتمبر بذكرى إنتصار حرب المقاومة الشعبية الصينية ضد الإحتلال الياباني (1937–1945). فهذا العيد لا يُجسد فقط إنتصارًا عسكريًا على قوة إستعمارية كبرى –آنذاك-، بل يُمثل أيضًا إنتصارًا للإرادة الوطنية الصينية على التحديات الكبرى التي واجهتها الأمة الصينية عبر تاريخها التليد فى مواجهة الفاشية ورمزًا لصمود وكفاح الشعب الصيني ونموذج النجاح للدول النامية لإستلهام روح تجربة النهضة الصينية المعاصرة في القرن العشرين.
حيث شهد هذا العام حلول الذكرى الثمانين لعيد النصر من خلال تنظيم إحتفالات وعروض عسكرية ضخمة أقامتها الصين للإحتفاء والإحتفال بهذه المناسبة الوطنية الكبرى، حيث جاء إستعراض القوة العسكرية الصينية كرسالة ردع رمزية في مجابهة التنمر الأمريكي ضد الصين، لتبرز صورة الصين المعاصرة كقوة إقتصادية وعسكرية صاعدة، إضافة إلى ترسيخ معاني الصمود والوحدة الوطنية في ذاكرة الشعب الصيني لتعزيز روح الولاء والإنتماء للهوية القومية.
فجاءت مشاركة مصر في عيد النصر هذا بوفد رفيع المستوى برئاسة الفريق مهندس كامل الوزير نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية ووزير الصناعة والنقل مبعوثًا خاصًا من الرئيس عبد الفتاح السيسي، لتعكس عمق الصداقة الراسخة بين البلدين منذ تدشين الشراكة الإستراتيجية بين البلدين في عام 2014 فى كافة المجالات التعاون تحت قيادة الزعيمين عبد الفتاح السيسي وشى جين بينغ.
فمنذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية في عام 1949 يُعتبر عيد النصر هذا علامة مضيئة، ونقطة تحول في تاريخ الصين الحديث. حيث جسّد هذا النصر وحدة الشعب الصيني بمختلف أطيافه وأعراقه، ورسّخ قيم التضامن والفخر الوطنى والاعتماد على الذات، كما أسهم إسهامًا كبيرًا في انتهاج سياسة صينية أكثر قوة واستقلالية، تقوم على تعزيز دور مؤسسات الدولة، إلى جانب التركيز على التنمية الاقتصادية والاجتماعية لمواجهة التحديات المستقبلية، وأسس لثقافة سياسية واجتماعية جديدة تقوم على مفهوم "الصين القوية" القادرة على حماية سيادتها وفرض إرادتها في عالم اليوم المضطرب.
كما ساهم هذا النصر في انتهاج سياسة خارجية صينية مستقلة عن القوى الإستعمارية مما منح الصين القدرة على لعب دور مؤثر وفعال في النظام الدولي الجديد، وأكد حضورها كقوة كبرى تسعى إلى بناء نظام عالمي أكثر عدالة وتوازنًا، وقد انعكس ذلك من خلال إطلاق العديد من المبادرات الدولية مثل مبادرة الحزام والطريق ومبادرة السلام والأمن العالمى ومبادرة التنمية العالمية، وذلك إنطلاقًا من الحكمة والتجربة الصينية من أجل ترسيخ قيم السلام والعدالة والعيش المشترك للبشرية.
إن عيد النصر في الصين ليس مجرد ذكرى تاريخية، بل هو رمز لإرادة الأمة الصينية وصمودها وكفاحها، ودليل على قدرة الشعوب على تجاوز التحديات الكبرى. وبالنسبة لمصر، فإن المشاركة في هذا الحدث تحمل رسائل سياسية واستراتيجية عميقة، تعزز مكانة مصر كشريك استراتيجي للصين في منطقة الشرق الأوسط التي تمثل قلب العالم. وهكذا جاء الإحتفال بعيد النصر في 2025 كرسالة وضحة على بزوغ نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب تشارك فيه الصين بفاعلية بما يخدم مستقبل البشرية جمعاء نحو بناء مجتمع المصير المشترك.
*بــقلـم أ.د| حــسـن رجــب
أستـاذ الـدراسـات الصـيـنـيـة
المدير التنفيذى لمعهد كونفوشيوس
جــامعــة قــنــاة الــســويــس